اعمدة ومقالات الرأى

المهندس محمد مبارك الصادق يكتب: السودان لا يُدار من أبراج أبوظبي.. كفّوا أقلامكم يا حديثي العهد بالنعمة

رصد| الرسالة نيوز

 

لم يعد خافيًا على أحد أن بعض الأقلام المأجورة في الإقليم، والتي لم تعتد أن ترى الدول إلا من منظار وصايتها أو مصالحها، تحاول إعادة صياغة مشهد السودان وفق رؤى باردة، خالية من الفهم، ومنزوعة عن جذور التاريخ وحرارة الواقع. وآخر هذه النماذج ما كتبه الدكتور محمد البشاري في مقاله الأخير الذي جاء تحت عنوان: “السودان.. هل تُستعاد الدولة أم يُعاد إنتاج الفوضى؟”

ولأننا نؤمن أن الكلمة مسؤولية، فلا بد من التصدي لما ورد في هذا المقال من مغالطات متعمدة، ومواقف محشوة بالاستعلاء، تُقدَّم على هيئة تحليلات، بينما لا تحمل من الفهم العميق للسودان شيئًا.

السودان، يا دكتور، ليس مساحةً خاوية بانتظار أن تُملأ بتصورات تُطبخ في صالونات أبوظبي وتُعبأ في مقالات كأنها بيانات أمنية. هو بلد نحت ملامحه بالدم والصبر، وصاغ حراكه بثورات شعبية عظيمة، لا تنتظر “نصائح” من شخص ينظر إليه من برج عاجي، لم يعرف طين الجزيرة ولا دماء الشهداء ولا خنادق الفداء.

قولكم إن السودان يعاني من “فقدان مركز جامع” ليس إلا إعادة إنتاج لسرديات التدخل، لا توصيفًا حياديًا. السودان لم يفقد مركزه، بل طُعن في خاصرته من قوى إقليمية ظلت تصادر قراره، وتدير صراعاته بالوكالة، وتُطلق ألسنة كتّابها للعبث بمستقبله تحت غطاء الحرص على الاستقرار.

ثم إن حديثكم عن “الانحراف المنهجي في إدارة المرحلة الانتقالية” يبدو وكأنه تبرئة ضمنية لتدخلات الدول التي ساهمت، بدعمها المالي والعسكري والسياسي، في تمزيق النسيج الوطني، وإطالة أمد الصراع. تلك الدول التي تسلّلت إلى المشهد عبر بوابات الدعم، لا الشراكة، وأرادت أن تختطف قرار السودان لتعيد تشكيله وفق مصالحها الخاصة.

لسنا بحاجة لتذكيركم بأن السودان دولة ذات سيادة، لا تُدار من الخارج، ولا يقبل أبناؤه أن يُملى عليهم مستقبلهم من أبراج زجاجية في الخليج. هذا الوطن الذي وُلد من رحم المعاناة، لا يستورد مشروعه الوطني من غرف مغلقة يديرها من لم يعرف يومًا معنى الاستقلال ولا تكلفة التحرير.

ختامًا، إن كنتم حريصين فعلًا على استقرار السودان، فكفّوا أقلامكم، وانزعوا أيديكم من خيوط اللعب السياسي في بلادنا. فالسودان لا يُدار عن بُعد، ولا يُكتب تاريخه بمنطق حديثي العهد بالنعمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى