اعمدة ومقالات الرأى

استفهامات.. عبد الحفيظ عبدالقادر يكتب.. لماذا فشلت الثورة السودانية فى إنجاز مطلب الشعب و الشباب بالدولة المدنية ؟

الخرطوم| الرسالة نيوز

كثر الحديث و شغل الناس خاصة خلال الحقبة ما بعد الثورة السودانية المجيدة عن الدولة المدنية وكانت الدولة المدنية تمثل المطلب الأساسي لقيام الثورة نفسها ، كانت ضمن المطالب المشروعة التى كافح الشباب السودانيون وقدموا التضحيات النفيسة من أجلها لأنهم كانوا يدركون بتحقيق هذا المطلب الثورى المهم سيضمنون نجاح ثورتهم وان إنجازه على أرض الواقع سيضمن لهم قيام دولة العدالة والمساواة والكرامة والسلام ، الدولة التى تحمي الحقوق و تضمن الحريات و الدولة المتطلعة ابدا الى التنمية الشاملة ، المتوازنة و المستدامة لكن السؤال المهم إلذى لم يطرح على نحو جاد و مسؤول طيلة هذه الحقبة ولم تشهده مداولات الناس و مناقشاتهم و لم تتضمنه خطب القادة و السياسيين و سجالات الناشطين الذين طالما كانوا من أكثر واجهات الثورة حماسا وترويجا له ، لقد بزلوا ما وسعهم من جهد من أجله ، واعتقد أن هذا السؤال ينطوى على قدر كبير من الأهمية ليس للقادة والسياسيين بل لكل أفراد الشعب و هم أصحاب المصلحة الحقيقية فى أن يتحقق ويصير واقعاً فى حياتهم.

انا على يقين أن الأحزاب والزعماء السياسيين مبلغ غايتهم أن يبقى مطلب الدولة المدنية شعارا رنانا و ساخنا ليعبروا من خلاله إلى سدة الحكم و يجلسوا على كراسي السلطة ما شاء لهم القدر و لكن الشعب وشباب الثورة يعنيهم أن يعرفوا حقيقة هذه الدولة المدنية وأهميتها فى حياتهم السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ودورها فى إنماء و عمران البلاد و العباد
الدولة المدنية و ما ادراك ما الدولة المدنية ؟ نعم ماهى الدولة المدنية و ما هى مكوناتها و متطلباتها و مرتكزاتها و دورها فى تطور الشعوب و نمو الدول وارتقاء المجتمعات ؟
نعم نجحت الثورة بزخمها الشعبى المشهود و صارت ضمن حقائق الواقع الجديد و اضحت أيقونة للعالم المتطلع للحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والمتعطش للتنمية المستدامة و التواق للأمن والامان و السلام ، نعم نجحت الثورة فى زالة الفساد والظلم واحتكار السلطة و الاستبداد و لكن لم تنجح الثورة فى إنفاذ شعار الثورة ( الدولة المدنية ) و تحويله إلى واقع فى حياة الناس ، فشل الحكام الجدد فى تحقيق حلم الشباب الذى سالت دمائهم من أجله ، نعم نجحت الثورة بعزم الثوار و تضحيات الشهداء فى زالة الباطل و فشل القادة والحكام الجدد فى إقامة الحق و العدل بين الناس.
فشل القادة والحكام الجدد فى إنجاز رؤية الثورة و هدفها الاستراتيجي الذي يمثل أشواق السودانيين و حلم الشباب الذين قدموا كل غالى و نفيس من أجله
و السؤال المهم هو لماذا وقع هذا الفشل المبين فى إنجاز الدولة المدنية واضحى الوطن الجريح فى حالة من التيه والضياع لا هو محكوم بدولة الفساد والاستبداد التى أسقطها و لا دولة الحرية والعدالة الاجتماعية التى تطلع إليها و كافح و ناضل من أجلها
إذا بسطنا المعرفة بماهية هذه الدولة المدنية سنعرف لماذا فشلت حكومة الثورة الأولى والثانية المعدلة فى تحقيق هذا الحلم الكبير
الدولة المدنية هى الدولة التى تحتكم إلى سيادة حكم القانون والدستور إلذى تقوم بإعداده جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب مسنودة بنخبة من الخبراء والمختصين و يجاز باستفتاء شعبي و يضمن هذا الدستور الحقوق والحريات على أساس المواطنة المتساوية دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو القبيلة ا و الجهة أو العرق أو الانتماء السياسي و الفكرى أو المستوى الاقتصادي او الدرجة الوظيفية
و الدولة المدنية تعتمد فى دستورها و قانونها الأساسى سيادة حكم القانون كمبدأ أساسي و ضروري جدا لإدارة الدولة بسلطاتها الاربعة التشريعية والتنفيذية والقضائية والصحافة دون تغول أو تدخل اي منها على الاخرى أو تداخل بينها
إن مبدأ سيادة حكم القانون فى الدولة المدنية يضمن تحقيق المواطنة و المساواة الكاملة بين المواطنين أمام سلطة القانون والقضاء و بين السلطة و المواطنين و بين سلطات الدولة نفسها حتى لا تقع اي نزاعات تعطل مصالح الناس والدولة ، وبذلك تتحقق العدالة والمساواة و الشفافية و نزاهة الحكم
إن اهم مبدأ فى الدولة المدنية و الذى يميزها عن الدولة الشمولية الاستبدادية هو خضوع كل من هم تحت ولايتها من المواطنين( حكاما مهما علت درجاتهم الوظيفية و محكومين مهما تدنت درجاتهم الوظيفية ) للمساءلة على قدم المساواة بكل نزاهة و شفافية.
إن مبدأ سيادة حكم القانون فى الدولة المدنية يضمن أن تودى أجهزة الدولة واجباتها و تزاول سلطاتها وفق الدستور الذى اعتمده الشعب و بحسب القانون الذى اجازه البرلمان المنتخب دون تغول أو تسلط أو استبداد
إن مبدأ سيادة حكم القانون فى الدولة المدنية يعزز فرص الاستثمار فى البلاد على المستوى الوطني والاجنبي لأنه لا يمكن تتوقع من اي مستثمر وطنى أو اجنبي أن تتدفق أمواله لاي بلد لا يضمن دستورها و تحمي قوانينها استثماراته من التميم و المصادرة ولا يضمن حقه بالقانون فى تحويل أرباحه إلى اى مكان يريده
أن الدولة المدنية تضمن حقوق العسكريين فى المشاركة الكاملة كمواطنين فى التصويت فى اي انتخابات رئاسية او برلمانية على المستوى الاتحادي والولائى و المحلى و تضمن حقهم فى الترشح لرئاسة الدولة و عضوية البرلمان القومي والولائى و المحلى إذا تخلوا عن وظائفهم العسكرية على قدم المساواة مع المسؤولين المدنيين العاملين في القطاعات الحكومية
إن أي عملية تحول ديمقراطي حقيقي لا يمكن أن تتم إلا وفق تواثق و تعهد سياسي والتزام دستورى و قانونى و أخلاقي و تبني صادق و حازم لمبدأ و ممارسات سيادة حكم القانون
لقد وقع الفشل المبين عندما غابت المصداقية والشفافية و الرغبة فى إنجاز و تحقيق الدولة المدنية الحقيقية القائمة على سيادة القانون بمكوناتها و متطلباتها الدستورية دون تسلط أو اقصاء أو استبداد جديد يكرس ما رفضه الشعب من نظم الحكم الشمولية السابقة
الان هل عرفتم لماذا فشلت حكومة الثورة فى التحول الديمقراطى الجاد والمسؤول وإنجاز مشروع الدولة المدنية كونها دولة سيادة حكم القانون و المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وضمان الحقوق والحريات لكل المواطنين مؤيدين و معارضين و تضمن المساءلة القانونية والقضائية المتساوية وتحمى الأقليات و حقوق المستثمرين الوطنيين و الأجانب لدورهم فى إنعاش الاقتصاد و صناعة التنمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى