اعمدة ومقالات الرأى

عثمان ميرغني.. يكتب:(جدلية الهدنة)

‏جدل الهدنة..

 

عثمان ميرغني

 

عند إعلان الرباعية الدولية خارطة الطريق في 12 سبتمبر 2025 الماضي لحل الأزمة السودانية.. كتبت أنصح الحكومة بالتعاون بل واعتبارها “خماسية” يقود السودان جهودها للسلام.. فالدول الأربع التي تتكون منها الآلية – الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، السعودية والإمارات – مؤثرة دولياً وتستطيع أن تكون عوناً للسودان في إطفاء نار الحرب، وفي مرحلة البناء بعدها.

 

ومن هذا الفهم، نصحت أن يبادر السودان بإصلاح علاقاته مع أضلاع الرباعية.. وتحديداً الإمارات.. عبر مفاوضات ثنائية تستهدف تجاوز الوضع الراهن وتطوير العلاقات.

لكن، كالعادة، الحكومة السودانية تجيد فن إضاعة الفرص الذهبية..

 

بعد زيارة الرئيس البرهان إلى القاهرة وصدور بيان رئاسة الجمهورية المصرية الذي أكد أن الرئيسين السيسي والبرهان أمنا على المبادرة الرباعية، سكت الإعلام الحكومي الرسمي عن الإشارة إلى ذلك.. ثم بدأت تسريبات عن لقاءات في وزارة الخارجية الأمريكية مع وفد الحكومة السودانية وآخر للدعم السريع.. كل على حدة.

 

ضخت الحكومة السودانية قدراً كبيراً من الإعلام المضاد الإنكاري.. يدعي أنها مباحثات ثنائية مع أمريكا.. ثم أعلن مسعد بولس مستشار ترمب أن الجيش والدعم وافقا على الهدنة من حيث المبدأ وانخرطا في مناقشة بنودها وتفاصيلها.. مفاوضات غير مباشرة عبر الوسيط الأمريكي..

 

رغم أني كنت أنصح بعدم التورط في مثل هذه المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في الوقت الراهن.. والتركيز على تقوية العلاقات مع أطراف الرباعية.. إلا أن المحطة تجاوزها القطار.. وبات السودان في مواجهة السؤال الذي عجز بيان مجلس الدفاع والأمن عن الإجابة عليه.. هل نقبل بالهدنة؟

 

في تقديري.. وقد أضاعت الحكومة فرصة البداية من نقطة أفضل.. وأصبحت أمام الأمر الواقع.. إما أن تقبل بالهدنة أو ترفضها.. فإنني أرى أن تقبل.. وذلك بالحسابات التالية:

الموافقة على الهدنة هو خطاب قوي موجه من الحكومة السودانية إلى المجتمع الدولي.. يؤكد رغبتها في السلام.. وإدراكها مسؤوليتها عن شعبها الذي يقاسي أوضاعاً مأساوية لا قبل له بها..

 

بالتأكيد أن مثل هذه الرسالة مهمة لإبراز وجه رصين أمام العالم.. وكسب التعاطف الرسمي من الدول والمنظمات.. ومن الشعوب عامة وشعب السودان خاصة..

 

لكن الواقع أن الهدنة وفق المعطيات المعلومة عن الدعم السريع.. وعدم قدرته على ضبط عناصره.. فإنها لن تصمد ولو لثلاثة أيام فضلاً عن ثلاثة أشهر.

محركات النشاط العسكري لجنود الدعم لا ترتبط مؤسسياً بقيادته العليا.. ولا تلتزم بخطابها وأهدافها التي تعلنها.. فالدوافع المحلية والاقتصادية أقوى من أي اعتبار آخر.. كل التقديرات تؤكد ان الهدنة ستنهار ربما في اسبوعها الأول..خرق الهدنة من جانب الدعم يعني عملياً إعذار الجيش السوداني عن الالتزام بها..

 

وطالما أن هناك من يرى أنه لا داعي للهدنة، ويجب استمرار العمليات العسكرية.. فإن ذلك سيكون ما هو عليه الحال فعلياً..

وبدلاً من رفض الهدنة رسمياً سيرفضها الواقع عملياً.

 

‎#حديث_المدينة الخميس 6 نوفمبر 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى