عام

السُودان بين الرّياض وواشنطن.. قراءةٌ تحليليةٌ

*السودان بين الرياض وواشنطن..بقلم د. إسماعيل الحكيم..* _Elhakeem.1973@gmail.com_
كان السودان حاضراً بقوة في القمة السعودية الأمريكية بواشنطن.. إذ لم يكن اللقاء الذي جمع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب محطة بروتوكولية في مسار العلاقات بين الرياض واشنطن فحسب، بل بدا المشهد أشبه بإعلان مرحلة جديدة من إعادة رسم توازنات الإقليم، وتحديدًا في الملف السوداني الذي استحوذ على قدر واسع من النقاشات والتفاهمات بين الجانبين.
فمنذ اندلاع حرب السودان، ظلّ المجتمع الدولي يدور في حلقة مفرغة من البيانات والدعوات، بينما تتوسع النيران في الخرطوم ودارفور وكردفان . لكنّ تصريحات الرئيس ترامب عقب لقائه بولي العهد السعودي حملت تحولًا مهمًا حين أعلن صراحة عزمه التدخل لإيقاف الحرب، في رسالة واضحة بأن السودان لم يعد ملفًا ثانويًا في أجندة واشنطن.
هذا التصريح، وإن بدا مختصرًا، إلا أنه حمل دلالات سياسية عميقة:
– إعادة إدراج السودان في حسابات الأمن الإقليمي والدولي، بعد سنوات من التجاهل.
– اقتناع واشنطن بأن استمرار الحرب يفتح الباب لفراغات أمنية جديدة، تمتد آثارها إلى البحر الأحمر والقرن الإفريقي والساحل.
– إدراك الولايات المتحدة أن أي مقاربة لحل الأزمة لا يمكن أن تنجح دون شراكة فعلية مع الرياض.
إن الدور السعودي لم يكن طارئًا على الملف السوداني. فمنذ اللحظة الأولى للحرب، دفعت المملكة بثقلها السياسي والدبلوماسي لإنجاح مسار جدة، وحرصت على إبقاء خطوط الوساطة مفتوحة رغم التعقيدات الميدانية والسياسية.
وفي لقاء ولي العهد مع الرئيس ترامب ظهرت بصمة القيادة السعودية بوضوح، حيث:
– فرضت الرياض مقاربة واقعية للأزمة، قوامها وحدة السودان واستقرار مؤسساته.
– أثبتت قدرتها على جمع الأطراف الدولية حول رؤية مشتركة، في وقت تراجعت فيه أدوار قوى إقليمية أخرى.
– قدمت نفسها قوة توازن تمتلك شبكة تأثير في المنطقة تمتد من الخليج إلى القرن الإفريقي.
فلم يكن حديث الأمير محمد بن سلمان عن السودان حديث دولة مراقبة، بل حديث طرف مؤثر وصاحب مصلحة في استقرار الإقليم، وهو ما منح اللقاء قيمته الحقيقية وأضفى على الموقف الأمريكي زخمًا جديدًا.
غير ان اللافت في التفاهمات التي رشحت عن اللقاء أنّ السودان لم يكن ملفًا هامشيًا، بل كان محورًا مركزيًا وذلك لثلاثة أسباب:
1. الأهمية الجيوسياسية:
فالسودان بعمقه الإفريقي وامتداده على البحر الأحمر يمثل نقطة ارتكاز لأي ترتيبات أمنية مستقبلية في المنطقة.
2. العمق الاقتصادي والاستثماري:
حيث تنظر السعودية والولايات المتحدة إلى السودان بوصفه أحد أكبر الأسواق الواعدة في الزراعة والمعادن والطاقة والماء..
3. التهديدات العابرة للحدود:
من الهجرة غير الشرعية إلى النفوذ الإيراني والروسي، وقد أدرك الطرفان أن استمرار الحرب يخلق فراغًا يهدد مصالحهما المشتركة.
إلا أن السؤال الذي شغل المتابعين: لماذا تعود واشنطن الآن للحديث بجدية عن إيقاف الحرب السودانية؟
الإجابة ببساطة: لأن الرياض تريد ذلك، ولأن الإقليم لم يعد يحتمل حربًا جديدة تُترك هكذا بلا سقف زمني.
كما أن الولايات المتحدة ادركت أن القيادة السعودية—بفضل حضور ولي العهد ورؤيته للمنطقة—تمتلك مفتاحًا رئيسًا في تهدئة الصراع إعادة الأمور إلى نصابها. ومن هنا جاءت تصريحات ترامب وكأنها إقرار بدور الرياض، واعتراف بأن أي جهد أمريكي لن يكتمل دون شراكة سعودية فاعلة.
إن اللقاء بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب ما كان له أن يكون اجتماعاَ ثنائياً ، بل كان محطة سياسية تعيد ترتيب أولويات المنطقة. وفي قلب هذه الأولويات يقف السودان، بثقله، بجرحه، وبحاجته لدعم حقيقي يعيد إليه وحدته واستقراره. وقد استغلت السعودية الأصوات التي علت بتصنيف المليشيا منظمة إرهابية..

السعودية أثبتت—مرة أخرى—أنها قادرة على قيادة الإقليم، ليس فقط بثقلها الاقتصادي، بل بحضورها السياسي ودبلوماسيتها النشطة.
وواشنطن بدورها أدركت أن معالجة الأزمة السودانية تتطلب تنسيقًا كاملًا مع الرياض، وأن الحل الواقعي يبدأ من الاعتراف بدور المملكة في حماية أمن البحر الأحمر وتثبيت استقرار جواره الإفريقي.

وبين الرياض وواشنطن، يقف السودان… بلدًا يستحق الحياة، وينتظر لحظة يلتقي فيها القرار الدولي مع الإرادة الإقليمية لإنهاء حربٍ طالت، وأثقلت كاهل شعبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى